كيف نرفع أجور الأردنيين؟
نشرت في تشرين الأول، 2015
تشكو أغلب الأسر الأردنية من عدم كفاية دخلها لتغطية كلف معيشتها. ويمكن تفهم ذلك بالنظر الى المعلومات التي تنشرها دائرة الإحصاءات العامة والتي تبين أن معدل الدخل الشهري للعاملين الأردنيين هو 460 دينار شهرياً وذلك في عام 2013.
إن المشكلة الحقيقية تكمن في النمو الضئيل لمعدل الدخل الشهري للعاملين. ففي الفترة من عام 200 الى عام 2013، نما معدل الأجر الشهري بنسبة 5.7% ولك عند أخذ أثر التضخم بعين الإعتبار، فإن هذه النسبة تنخفض الى 1.3% سنويا مما يفسر شكول قلة الدخل وغلاء كلفة المعيشة.
وهنا لا بد من إيجاد طريقة لرفع أجور العاملين مما سيؤدي الى رفع مستوى معيشتهم.
إن السر يكمن في رفع إنتاجية العاملين الأردنيين. ولكن ما هي الإنتاجية؟ وكيف نقيسها؟ تغرّف الإنتاجية (في هذا السياق) بأنها القيمة المضافة للاقتصاد الأردني الناتجة عن ساعة عمل واحدة يبذلها العامل الأردني. وعليه يمكن قياس الإنتاجية في أبسط تعريف لها بقياس نسبة الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الى عدد ساعات العمل المبذولة في الاقتصاد الأردني.
مما يمكن إستنتاجه من الأرقام الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة، بلغت إنتاجية العامل الأردني الحقيقية في سنة 2013 5 دنانير لقاء كل ساعة عمل أي 40 ديناراً لكل يوع عمل (8 ساعات عمل في اليوم).
لكن كيف ترتبط إنتاجية العامل بمعدل أجره؟ إن العديد من النظريات الاقتصادية تزعم أن أجر العامل يرتبط طردياً مع إنتاجيته، وهذا منطق مقبول حيث أن الإنتاجية العالية تؤدي الى إزدياد النشاط الاقتصادي ورفع قيمته مما ينعكس ايجابياً على العديد من المؤشرات الاقتصادية ومنها معدل الأجور.
تبين الإحصائيات صلاحية هذه النظرية. ففي الفترة من 200 الى 2013، نمت الإنتاجية بمعدل 3.5% سنوياً وقابلها نمو في معدل الأجور بنسبة 5.7% سنوياً. أي أن كل زيادة في الانتاجية بنسبة 1% قالبها زيادة بنسبة 1.6% في معدل الأجور.
كما أن إزدياد الإنتاجية قد إنعكس على العاملين بطريقة إيجابية أخرى، فقد أنخفض معدل ساعات العمل الشهرية في نسب الفترة من 244 ساعة شهرياً الى 203 ساعة. أي أن العاملين الأردنيين قضوا وقتاً أقل في العمل لكن إنتاجيتهم إرتفعت لتساهم في مجملها في تحقيق نمو حقيقي للاقتصاد الأردني بمعدل 5.5% سنوياً في ذات الفترة.
لكن عند مقارنة إنتاجية العامل الأردني مع إنتاجية العامل في الدول الأخرى، فإننا للأسف نجد أن إنتاجية العامل الأردني تبلغ فقط 22% من إنتاجية العامل النرويجي التي تعتبر من أعلى قيم الإنتاجية في العالم. أي أن ساعة عمل العامل النرويجي تعادل في قيمتها أربع ساعات ونصف الساعة عمل من قيمة ساعات عمل العامل الأردني.
إن الهدف من هذه المقارنة ليس تثبيط الهمم بل لتبيان مقدار التحسن الممكن لإنتاجية العامل الأردني. حيث برأيي الشخصي، لا يوجد مانع أو عائق تجاه رفع إنتاجية الأردنيين الى مستويات تقارب الأفضل في العالم في العشر سنوات القادمة! إن رفع الإنتاجية، والذي يؤدي الى رفع الأجور للعمال وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، يمكن تحقيقه عن طريق الإستثمار في البنية التحتية والرأس المال المادي (أي المعدات والماكينات)، وكذلك توفير البيئة الحاضنة للإبتكار وخصوصاً في مجال التكنولوجيا، و تحفيز الشركات على خلق أسواق جديدة من خلال توفير البيئة التشريعية التي تشجع على ذلك، اضافة الى تشجيع التنافسية في الأسواق، وأخيراً بالاستثمار النوعي في التعليم.
إفتخر الأردن دوماً بنوعية رأس ماله البشري، ونحن بغنى عن ذكر مساهمة ذلك في بناء اقتصاديات دول الجوار. أن الأوان لأن نعطي قطاع التعليم الإهتمام والمصادر التي يستحقها. ورفع نوعية التعليم في كافة مراحله، وبما يؤدي ذلك الى توفير مهارات متعددة لعمالة قادرة على رفع سوية ونوعية النشاط الاقتصادي الأردني، مما سيؤدي الى رفع الانتاجية. بذلك يمكن لنا أن نضمن للأردنيين دخولاً ترفع من قوتهم الشرائية وتعطيهم المستوى المعيشي الذي يستحقونه في المستقبل.